أعمال ندوة واقع اللغة العربية اليوم التحديات والآفاق

الندوة من تنظيم جمعية حماية اللغة العربية يوم السبت 19 رمضان 1429 الموافق 20 سبتمبر 2008 بقاعة باحنيني بوزارة الثقافة المغربية، وفيما يلي ملخصا بأهم ما ورد في كلمات المشاركين في الندوة :

ضبط كاملكلمة ذ المقرئ الإدريسي أبو زيد : واقع اللغة العربية في المغرب.

إن وضع اللغة العربية في المغرب وضع متدهور مترد، نتيجة لإجراءات ومواقف واختيارات بدأت منذ فترة الاستعمار واستمرت مع دولة الاستقلال إلى يومنا هذا .فالحالة اليوم هي استمرار لما بدأه الاستعمار ويظهر ذلك في وجود وثائق وأدلة واضحة وصريحة تؤكد محاربة الاستعمار للغة العربية، ومن ذلك ما كتبه أحد رموز الحركة الوطنية المغمورين يدعى بوعز الزموري في مجلة المغرب عدد 11 الصادر سنة 1933 من القرن الماضي، ومما جاء فيه الإشارة إلى الوعي المبكر الذي حصل للمستعمر بضرورة القضاء على اللغة العربية وتعويضها بالفرنسية، فالمدرسة البربرية التي أنشأها المستعمر كان الغرض الأساسي منها هو عزل الأمازيغ عن اللغة العربية بهدف فرنستهم .

فما الفرق بين الأمس واليوم ؟
فما كان خاصا بالمناطق الأمازيغية صار عاما في المغرب كله، والساهرون على هذا الأمر المغاربة وليس الفرنسيون، بوثيرة أسرع مما كانت تسير به الأمور في عهد الاستعمار وبدون كلفة تذكر.

ثم تساءل المحاضر عن وضعية المراكز الثقافية الفرنسية بالمغرب، والتي أنشأت بموجب اتفاقية 1973 التي تم تجديدها سنة 1977، وكثير من بنود هذه الاتفاقية لا تحترم ن كما أن المغرب لم يقم بدوره بإنشاء مراكز ثقافية مماثلة في فرنسا.

وتحدث عن تجربة مدارس الرابطة الفرنسية اليهودية بالمغرب، حيث تم الاستفراد باليهود بواسطة التعليم وفرنستهم، وبالتالي عزلهم عن المجتمع المغربي الذي كانوا جزء من
نسيجه، وبعد الفرنسة فقدوا كل صلة عاطفية ووجدانية تربطهم بالمجتمع المغربي وأصبحوا يشعرون بالغربة، وان ما يربطهم بفرنسا أكثر مما يربطهم بالمغرب الأمر الذي سهل إقدامهم على الهجرة إلى الكيان الصهيوني الغاصب .

وخلص المحاضر إلى أن اللغة العربية تشكل تهديدا حقيقيا للمصالح الفرنسية بالمغرب من جهة، ومن جهة أخرى فشمال إفريقيا يعتبر من آخر معاقل الفرانكفونية التي تنحسر بوثيرة متسارعة، فبعض الخبراء الفرنسيين يعتبرون إفريقيا الفرصة الوحيدة لانقاد اللغة الفرنسية من الانكماش المريع الذي يتهددها.

كلمة د عبد الكريم برشيد كاتب مسرحي : حالة اللغة العربية في الإبداع الفني.

إن المسرح في بدايته في المغرب بدأ باللغة العربية وقد كان الرواد الأوائل يكتبونه بالفصحى، ولما كان النظام التربوي بالمغرب يركز فقط على حشو الأذهان بالمعلومات، فانه غيب أشكالا فعالة من التربية منها التربية الدينية والتربية الوطنية، والتربية الفنية واحدة من أهم أشكال التربية التي ترقى بالذوق العام وتجعله محصنا ضد الأشكال الفنية المبتذلة الشائعة حاليا.

وأشار المتدخل إلى ما يزعمه بعض الناس من أن اللغة العربية لغة غير درامية، وقال آخرون إن اللغة العربية لغة لا يمكن أن تضحك أي لا يمكن إنتاج عمل فني فكاهي باللغة العربية الفصحى، وهذا غير صحيح وينقضه ما كتبه كبار أدباء العربية مثل الجاحظ في كتاب البخلاء كما استشهد المتدخل أيضا ببعض أعماله التي كتبها بالفصحى وكانت في أعلى مستويات الفكاهة كمسرحية عنترة...

من جهة أخرى فاللغة العربية تتعرض للتهميش من أبنائها الذين يدعون إلى اللهجات العامية، بدعوى ما يسمى بالكتابة الواقعية، فمثلا شخصية الفلاح في أي عمل فني يجب أن يكون الكلام بلسانه بالعامية لأنها أكثر تعبيرية، وهذا غير صحيح لأننا في الإبداع لا نتحدث عن لغة بعينها بل نتحدث عما يمكن أن نسميه لسان الحال ألم يجعل ابن المقفع حيوانات كليلة ودمنة تتحدث بالعربية الفصحى فما بالك بالإنسان إذن، وخلص الأستاذ عبد الكريم برشيد على انه مقتنع بالكتابة باللغة العربية الفصحى لأنه ـ بحسب قوله ـ يفرق بين الحقيقة والواقع، فالظلم والزيف مثلا ينتميان على الواقع لكنهما ليسا حقيقتين، ويتساءل أليس ابن خلدون مثلا أكثر حقيقة من بعض العلماء الواقعيين في يومنا هذا ؟

أما على المستوى السياسي فالمتدخل يرى أن السياسة المغربية في هذا المجال تتسم بنوع من النفاق، ففي الوقت الذي ينص فيه الدستور على أن اللغة العربية هي اللغة الرسمية لكن الواقع تسود فيه اللغة الفرنسية.

كما أن كثيرا من الأعمال الفنية التي تدعمها وزارة الثقافة هي إما أعمال أجنبية أو مقتبسة كان من الأولى أن تدعمها المراكز الثقافية الأجنبية، في الوقت الذي تدعم فيه الإنتاجات الوطنية .

وختم المتدخل كلمته ببيان موقفه الرافض لما يسمى بالمسرح التجريبي، الذي يعتمد على حركات الجسد ويهمش اللغة، فالإبداع الحقيقي لا يمكن أن يكون إلا بلغة أهله لا بلغات الغير، أو خارج اللغة.

كلمة د موسى الشامي رئيس الجمعية المغربية لحماية اللغة العربية وتمحورت حول العمل الذي يجب القيام به للتمكين للغة العربية.


يرى المتدخل أنه يجب الاعتماد على النخبة المثقفة الواعية والناضجة سياسيا وفكريا، الواثقة والمؤمنة بقدرات اللغة العربية، من أجل خلق إرادة سياسية من أجل جعل اللغة العربية لغة رسمية حقيقة وليس شكلا كما هو الحال الآن. ذلك أن المتعلمين في أسلاك تعليمية معربة لا يحظون بنفس الفرص العملية التي يحظى بها المتفرنسون، فالإرادة السياسية الحازمة هي المفتاح الأول، والتي يجب أن يسبقها نضال مكثف من أجل فرض وخلق هذه الإرادة لدى صناع القرار بالبلاد . وهذا النضال ينبغي أن يتم عبر طريقين وهما:

الاحتجاج العلمي الهادئ المقنع والقصد تفنيد مقولة قصور اللغة العربية، وأنها لغة غير علمية، فالذي يدعي عجز هذه اللغة إنما يعبر في حقيقة الأمر عن عجزه هو .

وهناك خطوات أخرى يجب إتباعها منها إنشاء مراكز البحوث، والعمل الجمعوي، والتنسيق مع الأحزاب بهدف جعل اللغة جزء من برامجها وأنشطتها وأخيرا الاتصالات المباشرة مع المسؤولين، وضرب مثلا لذلك ببعض المكتسبات التي حققتها الحركة الثقافية الأمازيغية.

وبعد انتهاء المداخلات أعطيت الكلمة لعدد من الحاضرين للمناقشة وسأقتصر على أهم مداخلتين:

أولاهما : كلمة الدكتور رشيد بن عيسى من الجزائر والمقيم حاليا بأوربا، أشار فيها إلى أن اللغة الفرنسية المسيطرة في المغرب سائرة على أفول، فهي لا تسعف إلا 2.5 في المائة من المعلومات العلمية و4 في المائة من محتوى الانترنت، عكس الانجليزية، فالفرنسية لغة منقرضة آفلة يجب اتخاذ قرار حاسم بالتخلي عنها بغض النظر عن الاعتبارات الثقافية، لأنها لم تعد لغة ينفع الاعتماد عليها فالرهان عليها رهان خاسر، ومضر على جميع الأصعدة الثقافية الاقتصادية والعلمية...


أما الكلمة الثانية فهي كلمة الدكتور عمر الكتاني الباحث في الاقتصاد الذي أشار على مسألة مهمة وهي العلاقة بين اللغة الاقتصاد، فالتاجر لا يستطيع بيع بضاعته إلا إذا ألم بلغة زبونه، وفقر الخبراء الاقتصاديين وأصحاب الأعمال المغاربة في اللغة العربية جعل حضورهم ضعيفا في المنطقة العربية سواء على مستوى الندوات الاقتصادية أو التعامل التجاري، وحرم المغرب من عدد كبير من الفرص الناتجة عن ضعف القدرة التواصلية مع المنطقة العربية التي تعتبر امتدادا جغرافيا واستراتجيا للمغرب، نفس الأمر يقال عن غياب اللغة الانجليزية بالمغرب، فاللغة الفرنسية ليست متداولة إلا على نطاق ضيق تضيق الفرص الاقتصادية والتنموية بضيقه .


وتجدر الإشارة إلى أن الجمعية المغربية لحماية اللغة العربية مؤسسة فكرية علمية ثقافية تأسست يوم السبت 17 مارس 2007 في الرباط، مستقلة عن أي تيار سياسي أو نقابي أو مذهبي ولديها عدة فروع في المغرب، تهدف إلى العمل على استصدار القوانين التي تحمي العربية من التجاوزات وإحداث مؤسسات متخصصة لتدبير شؤونها.


وتسعى الجمعية إلى تنمية دور العربية والعمل على استخدامها في كافة الإدارات والمرافق والقطاعات الإنتاجية والحكومية، والكشف عن قدراتها التعبيرية في شتى الميادين، إضافة إلى إبراز مكانتها في المجتمع المغربي ونشر الوعي بأهميتها. كما تعمل الجمعية على إبراز مختلف التحديات التي تواجه العربية في والكشف عن المخاطر التي تهددها وحمايتها من التهميش. من بين الوسائل التي تعتمدها الجمعية إبرام اتفاقيات وعقد شراكات مع المجالس المنتخبة والسلطات المحلية والأحزاب السياسية ومنظمات المجتمع المدني، وأيضا التعاون مع الهيئات والمنظمات الحكومية وغير الحكومية والجمعيات التي لها الأهداف نفسها على المستوى الوطني والدول.

إرسال تعليق

0 تعليقات