ملخص كتاب : مناهج البحث العلمي للدكتور عبد الرحمن بدوي:: المنهج التجريبي (ج3)


ملحوظة :  فهذا تلخيص لكتاب مناهج البحث العلمي للدكتور عبد الرحمن بدوي، كان عملي فيه هو تلخيص مضمون الكتاب دون أن أتصرف في كلامه إلا قليلا"
المنهج التجريبي بمعنى عام هو المنهج المستخدم حين يبد
أ من وقائع خارجة عن العقل … من أجل وصف هذه الظواهر الخارجة عن العقل وتفسيرها، وفي تفسيرنا لها نحن نهيب بالتجربة باستمرار ولا نعتمد على مبادئ الفكر وقواعد المنطق الصورية وحدها، وهو يتعلق عموما بالعلوم الطبيعية، بخلاف المنهج الاستدلالي الذي يقوم على أشياء من خلق العقل وأنه تحصيل حاصل مستمر وأن الصورية المنطقية هي الطابع الحقيقي للإستدلال الرياضي (ص 128).

خطوات المنهج التجريبي 

لهذا المنهج ثلاث خطوات :
الخطوة الأولى : - الملاحظة – حينما نقوم بمجرد الوصف والتعريف فنقول مثلا إن العالم الذي ينظر في الأشياء، ثم يقوم بعملية الوصف ثم التعريف ثم التصنيف … لا يقوم بعملية تفسير ولا عملية تجريب … فهذه الخطوة تسمى خطوة التعريف والتصنيف أو مجرد الوصف البسيط (ص 128).

الخطوة الثانية : - التفسير ووضع الفروض والتجريب – وفيها لا يقتصر الإنسان على أن يعرف حالة الشيء، بل ينتقل إلى بيان الروابط والإضافات الموجودة بين طائفة من الظواهر المتشابهة هنالك نقوم بعملية تفسير … فهذا التفسير يقتضي منه أولا أن يشاهد هذه الظواهر وأن يتلو هذه المشاهدة بوضع فرض يمكن أن يكون قضية تفسيرية لمجموعة هذه الظواهر. بعد ذلك يمتحن صحة هذا الفرض بإجراء التجارب التي إما أن تثبت صحة هذا الفرض مباشرة أو أن تؤدي إلى إثبات قضية تكفي صحتها ﻹثبات صحة الفرض المطلوب امتحان الصحة فيه.
الخطوة الثالثة : وضع القوانين: حتى إذا ما انتهينا عن طريق المنهج التجريبي هذا إلى وضع قوانين أتينا بخطوة ثالثة هي خطوة تنظيم هذه القوانين الجزئية لكي تدخل في نطاق أعم بأن تصبح مبادئ عامة كلية يستخرج منها قوانين بواسطة الإستدلال .

أولا : طريقة الملاحظة .

لو نظرنا إلى المنهج التجريبي وهذه والخطوة الثانية من الخطوات الثلاث التي اوردناها بالمعنى الضيق فإننا نجد أن هذا المنهج إنما يسير خطوات ثلاث هو الآخر فهو يبدأ بالملاحظة ويتلوها بالفرض ويتبعها بتحقيق الفرض بواسطة التجريب . فالملاحظة والفرض والتجريب هي الفقرات الثلاث المكونة للمنهج التجريبي.

1- الملاحظة أو المشاهدة.
العنصر الاول الذي تقوم عليه المشاهدة هو عنصرالعيان الحسي، فالحس يجب أن يكون المحرك الأول لكل بحث علمي … وكثيرا ما كانت المشاهدات الحسية الأصل في الإكتشافات العلمية العالية فيما بعد، فقانون سقوط الاجسام لجاليليو اكتشفه ابتداء من ملاحظة ازدياد السرعة كلما اقترب الجسم من الارض (ص 193).… وفضلا عن هذا فإن الأجهزة التي نعدها اليوم الأداة الرئيسية في العلم إنما ترتد في النهاية إلى الحس أو العيان الحسي، فهي امتدادات مقوية للحواس فمثلا الترمومتر يجب أن يعد زيادة في حاسة اللمس، والمقراب – المنظار – يجب أن يكون زيادة في حاسة الإبصار (ص 134).
ويجب أن نفرق بين المشاهدة البسيطة والمشاهدة العلمية .
فالمشاهدة البسيطة: هي التي نقوم بها عرضا في الحياة العادية دون ان نقصد إلى الملاحظة فعلا، ودون أن نركز انتباهنا في ناحية معينة وهذه المشاهدة لها قيمتها العلمية أيضا فكثير من الإكتشافات ابتدأت بمثل هذه الملاحظة غير أنها لا تكفي .
والمشاهدة العلمية … هي تلك التي يبدأ فيها المرء من فرض، أو يحاول بواسطتها أن يبحث في ناحية معينة، فهنا يقوم المرء بمشاهدات مختلفة منوعا فيها محاولا أن يجعل الكثير منها يتظافر من أجل إيضاح ظاهرة معينة أو التحقق من صحة فرض ما (ص 135).
وتبعا لدرجة الدقة في الملاحظة يجب أن نفرق أيضا نوعين من المشاهدة – كما فعل كلود برنار – المشاهدة البسيطة والمشاهدة المسلحة، فاﻷولى تقوم على الحواس مباشرة، أما المشاهدة المسلحة فهي تلك التي نستعين في تحقيقها بالأجهزة المختلفة التي تهيء لنا تقوية الحواس أو اكتشاف ظواهر لا يمكن أن تكتشف بالحس المجرد … فكل هذه الأجهزة تهيء لنا الدقة وأن نقوم بالملاحظة في أحسن الظروف الملائمة … وقد كان لتطور هذه الأجهزة أخطر الأثر في تطور العلوم الطبيعية(ص 136).
2- شروط الملاحظة .
والملاحظة لكي تكون مؤدية للغاية المقصودة منها يجب أن تكون وافية بشروط اهمها :
أولا: أن تكون الملاحظة كاملة، بمعنى أن يلاحظ المرء كل العوامل التي قد يكون لها أثر في إحداث الظاهرة دون إغفال أي منها (ص 139) .
ثانيا: يجب أن تكون الملاحظة نزيهة، بمعنى أنه يجب على الملاحظ ألا يتأثر بأي معنى من المعاني السابقة، ولا بأي اتجاه يملى عليه إملاء من شيء آخر غير الظاهرة التي أمامه... ومن ناحية أخرى يجب أن نراعي الأخطاء التي قد نقع فيها إبان الملاحظة، وأول هذه الأخطاء ينشا عن طبيعة الملاحظ فقد يكون تمة فساد في أحد حواسه … وقد يكون الخطأ صادرا عن الأجهزة … وقد تنشأ الاخطاء ثالثا من عدم مراعاة الوقائع كما هي وذلك بأن نتوهم وقائع معينة ليست موجودة في الأصل (ص 140).

ثانيا: التجريب

التجريب إنما يبدا حينما يكون لدينا فرض ونحاول أن نحققه .

الفـــــرض.
الفرض تفسير مؤقت لوقائع معينة لا يزال بمعزل عن امتحان الوقائع، حتى إذا امتحن أصبح من بعد إما فرضا زائفا يجب أن يعدل عنه إلى غيره، وإما قانونا يفسر مجرى الظواهر.
1- نشأة الفرض.
اما فيما يتصل بنشأة الفروض فإنها تقوم على عوامل خارجية وأخرى باطنة .
اما العوامل الخارجية .
أولها: أن يبدأ الإنسان من واقعة ملاحظة في التجربة الجزئية … ويحاول أن يفترض ما عسى أن يكون القانون الذي تخضع له هي وأمثالها(ص 146).
ثانيا: وقد تنشأ الفروض من مجرد الصدفة…مثال ما حدث بالنسبة إلى نيوتن في اكتشاف قانون الجاذبية.
ثالثا: قد يدعونا إلى افتراض الفروض مجرد إجراء تجارب للرؤية…فبإجراء كثير من التجارب، وبالتعديل في هذه التجارب قدر المستطاع، وبتنويع الأحوال المختلفة التي نجري فيها هذه التجارب دون أن نكون مسوقين بفرض معين نستطيع أحيانا أن نصل إلى وضع فروض قد تتحقق فيما بعد.

العوامل الداخلية .
غير أن العوالم الخارجية لا يمكن ان تكون بحال شروطا كافية للإفتراض، فاكثر الظواهر التي شاهدها كبار العلماء واقاموا عليها فروضهم العلمية يشاهدها كل الناس كل يوم دون أن يثير ذلك أدنى انتباه فيهم … فالأمر يتوقف في هذه الحالة على العوامل الباطنة أي على الافكار التي الظواهر الخارجية في نفس المشاهد … لكن على اي نحو يتم هذا التفكير في العوامل الخارجية أو الظواهر الملاحظة ؟
هنا نستطيع ان نحدد عوامل ثلاثة يتم فيها تأثير الاحوال الاباطنة :
أولها: ما يسميه كلود برنار باسم "العاطفة الذاتية" وهي الشيء الذي يجعلنا نفرض بنوع من الوجدان أو العيان الحدسي ما عسى أن يكون عليه القانون الذي عليه تجري الظاهرة.  
ثانيا: يجب أن نلاحظ اننا لسنا بإزاء نوع من الإلهام … بل يجب ان يسبق هذا الافتراض ما سميناه باسم النظام التحليلي الذي يوجد في عقل كل عالم والذي يهديه خلال الظواهر إلى توسم القانون الصحيح الذي يمكن أن تفسر على أساسه ...وهذا التوسم يتم بمران طويل وإعداد يتعلق بالنظام التحليلي لكل عالم على حدة، وهو نظام ينشأ وفق الممارسة الطويلة لعلم معين أو لقدرة هائلة على تخيل القاعدة الصحيحة لظاهرة ما من الظواهر(ص148).
ثالثا: يجب أن يلاحظ من جهة أخرى أن الفرض قد ينشأ في أحيان كثيرة من مران طويل، وعمل شاق نقوم به شيئا فشيئا بتعديد التجارب وتنويعها، ثم يأتي الفرض في النهاية كخاتمة لهذه التجارب والملاحظات الكثيرة، فكيبلر مثلا قد وصل إلى قانون الأفلاك الذي يقول بأن الكواكب تدور في فلك إهليليجي الشكل بعد اقترح تعسعة عشر فرضا' (ص 149). 

2- شروط الفرض.
وضع الفروض وإن كان يتم في أحوال شخصية وﻷسباب تتصل بطبيعة العالم الباحث، فإن الفروض الصحيحة مع ذلك يجب أن توضع لها قواعد يجب مراعاتها حتى تكون قائمة على أساس صحيح، أو على الأقل قابلة ﻷن تكون محتملة بواسطة التجارب المحققة(ص 151).
ومن هذه الشروط :
أولا : أن يتم الفرض ابتداء من واقعة معينة ملاحظة فلا يبدا من تخيلات ولا من مجرد الربط أفكار من اجل تكوين فرض ما .
ثانيا: أن يكون الفرض ما يقبل أن يتحقق فلا يدفع وراء الفروض الخيالية .
ثالثا: أن يكون الفرض خاليا من التناقض فلا يبدو مناقضا لوقائع معروفة .

3- نقد الفروض.
وهذه المسألة قامت خصوصا كأثر رجعي من آثار احتقار الفروض الذي كان شائعا في القرنين 17 -18 … لكن جاء القرن 19 فأراد أن يسترد للفروض مكانتها الأولى ولكن مع تحفظات شديدة من شأنها أن تتلافى كل هذه النقائص التي قال بها خصوم الافتراض 153) … فالعامل المحدد لقيمة الفروض أيا كانت … هو خصبها ، فإذا كانت فروضا خصبة أنتجت نتائج حقيقية 154)، إذ يجب أن نلاحظ أنه إذا كانت القضايا الصادقة لا تنتج إلا قضايا صادقة، فإن القضايا الكاذبة قد تنتج قضايا صادقة، وعلى هذا فعلينا أن نجري الفروض أيا كانت وأن نستخلص منها نتائج يمكن فيما بعد أن تطبق عمليا. 154).

4- تحقيق الفروض.
الخطوة التالية بعد فرض الفروض ثم نقدها … هي أن نقوم بعملية تحقيق الفرض، وهذه العملية تشمل التجريب بالمعنى الدقيق كما تشمل الروح العامة للمنهج التجريبي.
أما بخصوص الروح العامة للمنهج  التجريبي إبان تحقيق الفروض فهي على قسمين:
-       منهج سلبي استبعادي: وفيه نقوم بتحديد نطاق أو مجال الفروض فنفترض ما يمكن افتراضه من أجل تفسير ظاهرة من الظواهر، ثم نستبعد من الفروض ما من لا يتفق يقينا مع الحقائق المسلم بها من قبل أو القوانين الثابتة … التي لا مجال للشك فيها مثل أن سرعة الضوء أكبر من سرعة الصوت... ( ص 156).
-        منهج أيجابي: وفيه نحاول أن نثبت صحة الفرض في كل الأحوال المتغايرة الممكنة بأن ننوع الظروف ونطيل في التجربة، ونغير في الأشياء المستمعلة ﻹجراء التجربة. وبهذا التنويع  المستمر مع بقاء حدوث الظاهرة قد نستطيع أن نثبت صحة الفرض… 156).
فعن طريق هذين المنهجين السلبي والإيجابي نستطيع إذن أن نحقق الفرض، وهنا وبعد بيان هذه الروح العامة لتحقيق الفرض تبدأ عملية التجريب بالمعنى الدقيق 157). ونقصد بالتجريب هنا بيان أن الروابط التي يعبر عنها الفرض موجودة فعلا في التجربة وفي ظواهر معينة من التجربة، ومن المعلوم أننا لا نستطيع أن نشاهد القانون عيانا في التجربة الخارجية ﻷن القانون تعبير عن رابطة وإضافة، والروابط أو النسب تقوم بين الاشياء، ولا توجد في الاشياء لهذا فإن تحقيق الفرض إنما يتم بالنسبة إلى أحوال جزئية من تجميعها وتظافر القراءات التي تقدمها وتوافق النتائج التي تنتهي إليها نستطيع أن نصل إلى إثبات أن الرابطة صحيحة، وبالتالي تثبت صحة الفرض 157 ) وهذا ما يمكننا من وضع قوانين وتنظيم هذه القوانين الجزئية لكي تدخل في نطاق أعم بأن تصبح مبادئ كلية.

إرسال تعليق

0 تعليقات