ملخص كتاب مناهج البحث العلمي للدكتور عبد الرحمن بدوي : المنهج اللاستدلالي (ج2).


ملحوظةفهذا تلخيص لكتاب مناهج البحث العلمي للدكتور عبد الرحمن بدوي، كان عملي فيه هو تلخيص مضمون الكتاب دون أن أتصرف في كلامه إلا قليلا"
الاستدلال هو البرهان الذ
ي يبدأ من قضايا يسلم بها ويسير إلى قضايا أخرى تنتج عنه بالضرورة دون التجاء إلى التجربة، "ويجب التفريق بين الاستدلال كعملية منطقية والاستدلال كسلوك منهجي بتحصيل الحقيقة، فالأول هو كل " برهان دقيق مثل القياس أو الحساب "اما الثاني فهو "عبارة عن التسلسل المنطقي المنتقل من مبادئ أو قضايا أولية إلى قضايا أخرى أخرى تستخلص منها بالضرورة دون التجاء إلى التجربة وذلك في مقابل المنهج الاستقرائي أو التجربيبي" (ص 82).


النظام الإستدلالي:
النظام الاستدلالي أو النظرية الاستدلالية كما يقول لويس روجيه Louis rogier : “ تقوم على الإبتداء من عدد ضئيل من الموضوعات غير القابلة للتحديد، والقضايا غير القابلة للبرهنة من أجل تركيب موضوعات جديدة موجودة منطقيا بواسطة العمليات المنطقية وحدها … على فرض أن الموضوعات الأولية والقضايا الأولية ليست متناقضة" (ص 84).

والنظام الاستدلالي ليس مطلقا أي ضروري اليقين، بل إنه يتصف بثلاث صفات حددها روجيه Rogier وهي أنه اصطلاحي، وأنه غير معين، وأنه مع ذلك غير إعتباطي.
1- فهو اصطلاحي: بمعنى أن كلمة " غير قابل للتحديد" و"غير قابل للبرهنة" … إنما تتصف التصورات والقضايا الأولية بهاتين الصفتين بالنسبة إلى نظام معين من التعريفات والبرهنات، حتى إنه من الممكن أن يبرهن على هذه القضايا وأن تعرف تلك التصورات بالنسبة إلى نطام آخر (ص85 ) ولا معنى للتحدث عن عدم القابلية المطلقة للبرهنة على أية قضية أولية أو التعريف ﻷي تصور أولي. ( ص87) .

2- الصفة الثانية : أنه غير معين – مجرد ، صوري - : بمعنى أننا لا نضيف إلى الأفكار الأولية أي معنى عياني أو كياني، بل يجب أن نعد هذه الأفكار رموزا غير محددة، نجري عليها العمليات التي يسمح بها الحساب المنطقي دون نظر إلى ما تمثله ماديا … ولعدم التعيين هذا فائدة في التعميم، إذ سيكون للنظام الاستدلالي طابع شكلي أو صوري خالص، فيمكن أن ينطبق على أية مادة أيا كانت مما يسمح بتفسيره تفسيرات عدة.(86-87).
3- ليس اعتباطيا: إذ على الرغم من أن اختيار نظام استدلالي اصطلاحي وغير معين فإنه مع ذلك ليس اعتباطيا يجري كما يهوى المرء بل يجب أن يلتزم حدود شرطين هما الكفاية والإحكام.(ص 87).
التحليل التقليدي للمبادئ .
ومجموع القضايا والتصورات الأولية يسمى المبادئ، ﻷن المبادئ هي القضايا غير المستنتجة من غيرها في نظام استدلالي معين، والتي تعد في داخله غير قابلة للبرهنة ولا محلا للنقاش.
والاقدمون قسموا هذه المبادئ إلى : بديهيات ومصادرات وتعريفات.
أ- : البديهيات .
والبديهية قضية بينة بنفسها، وليس من الممكن أن يبرهن عليها، وتعد صادقة بلا برهان عند كل من يفهم معناها... وتسمى البديهيات أحيانا باسم القضايا المشتركة وذلك بمعنيين: أنها مسلمة من كل العقول على السواء، وثانيا ﻷنها تنطبق على أكثر من مبدأ (ص 89-90).
ب- المصادرات .
وهي أهم من البديهيات وإن كانت أقل يقينية … فالمصادرة قضية ليست بينة بنفسها كما لا يمكن أن يبرهن عليها، ولكن يصادر عليها ويطالب بالتسليم بها، ﻷن من الممكن أن نستنتج منها نتائج لا حصر لها دون الوقوع في إحالة، فصحتها إذن تستبين من نتائجها،(ص 91) طالما كانت لا تؤدي إلى تناقض.
ت - التعريفات.
وهي كالمصادرات تتعلق بتصورات خاصة بكل علم، ففي الهندسة مثلا تتعلق بالخط والمثلث والتطابق … وهو يعبر عن ماهية المعرف وحده وهو ما نعني بقولنا "إنه يجب أن يكون جامعا مانعا "، وهو يتركب من شيئين: المعرَّف وهو الشيء المراد تعريفه، والمعرِّف وهو القول الذي يحد خواص الشيء المعرَّف (ص 95).
والتعريف ليس قضية فلا يصدق عليه أنه صادق أو كاذب إنما هو نوع من الإصطلاح اللغوي، أو كمـــا قال رسل : "هو فعل إرادي من أفعال العقل يمكن أن يبرر بأسباب متعلقة بتيسير العمل أو التواضع على شيء معين يتفاهم بواسطته، ولكنه لا يفرض نفسه على العقل ضرورة (ص 98).
الصلة بين هذه المبادئ الثلاث .
من الواضح أن الصلة وثيقة بين هذه الأنواع الثلاثة إلى درجة أن في الوسع دون تجاوز أن نسمي الواحد باسم الآخر (ص 98 "ذلك أن النظريات الحديثة لا تميل إلى المغالاة في التفريق بين المصادرة والبديهية، بل تنزع إلى التقريب بينهما بأن تعد كليهما تعريفات مقنعة" (ص91). إذ تستحيل كلها إلى "إصطلاحات تفاهمية تحدد استخدام الحدود الأولى لنظرية استدلالية" (ص 98). “فنحن قد اعتدنا اليوم أن نضع المبادئ الخاصة بأي استدلال قبل البدء فيه، فنذكر البديهيات والمصادرات والتعريفات التي سنستعين بها في إجراء عملية الاستدلال، ثم نستخلص منها القضايا الناتجة عنها مباشرة مما يتصل بالمطلوب ثم ننتهي بإثبات المطلوب والبرهنة عليه.(ص 99).


إلا أن فكرة ظهور المبادئ لم تعد مقبولة، إذ النقد الذي قام حول هذه المبادئ في أواخر القرن 19 وأوائل القرن 20 قد زعزع أو ألغى صفة الظهور بالنسبة إلى كثير من هذه المبادئ. (ص 100).
وانتهى هذا النقد إلى القول بأن المبادئ بأنواعها الثلاثة من بديهيات ومصادرات وتعريفات ترجع في نهاية الأمر إلى إحداها وهي المصادرات بوصفها قضايا أو بالأحرى دوال قضائية يصادر عليها مصادرة، وتتحقق بنتائجها فطالما كانت لا تؤدي إلى تناقض فإنها صحيحة، وما المبادئ إلا فروض غير محددة ولا قابلة للبرهنة نبدأ منها بعد أن نصادر عليها (ص 103) .
وإذا كان الأمر على هذا النحو فإن المنهج الاستدلالي الخالص سيستحيل إلى منهج فرضي استدلالي واختيار المبادئ يتوقف على الهوى الشخصي ما دام ذلك مؤديا إلى تحقيق المطلوب … والنتيجة لهذا أن طابع الضرورة الذي كنا نضفيه على البراهين قد انتقض فلم تعد الضرورة هنا ضرورة مطلقة من كل شرط بل ضرورة مشروطة تتوقف على نوع المبادئ الذي نبدا منه الاستدلال وهو نوع يتحدد حسب اختيارنا وليس تمت ضرورة مطلقة لاختيار نوع دون نوع (ص 103) .
مسار المنهج الاستدلالي .

أولا: أدوات الاستدلال والبرهنة والرياضية والقياس .
للإستدلال أدوات عدة أهمها :
1.       القياس .
2.       التجريب العقلي .
3.       التركيب.

1- القياس:
يجب ان نميز بين القياس وبين البرهنة الرياضية … وقد كان يميز بينهما إلى فترة قريبة بكون النتيجة في القياس نتيجة افتراضية، ﻷن القياس لا يضمن لنا الصحة الخارجية للنتيجة بل كل ما يقوله هو أن النتيجة يجب أن يسلم بها إذا سلمنا بالمقدمات. أما في البرهنة فالمبادئ تعد صادقة بالضرورة والنتائج ستكون بالتالي ضرورية مضمونة الصحة خارجيا (ص 104).
يقول بوانكاريه :” إن القياس لا يستطيع أن يعلمنا أي شيء جديد في جوهره … والبرهان القياسي يضل عاجزا عن إضافة أي شيء إلى المعطيات التي نقدمها له، وهذه المعطيات تنحل إلى بعض من البديهيات وليس للمرء أن يجد شيئا آخر غيرها في النتائج " (ص104). في حين " أن البرهان الرياضي ياتي بحقيقة جديدة لم تكن متضمنه لا ضمنيا ولا صرحة في المبادئ وأنه خصب مبدع خالق فعلا فهذه خاصية البرهان الرياضي" (ص 105)، فلابد إذن من التمييز الدقيق بين القياس والبرهان الرياضي على أساس أن البرهان الرياضي يتضمن جدة بينما القياس تحصيل حاصل مستمر .

2- التجريب العقلي.
والتجريب العقلي معناه بصورة عامة :”أن يقوم الإنسان في داخل عقله بكل الفروض والتحقيقات التي قد ييأس أو لا يتيسر له أن يقوم بها في الخارج، وينقسم إلى أنواع أهمها اثنان : التجريب العقلي الخيالي، والتجريب العقلي العلمي، اما الاول فهو ذلك النوع من التاملات الخيالية … مما أبدع فيه الشعراء وأصحاب الخيال الجامح وهو طبعا لا قيمة له من ناحية العلم، والآخر وحده ذو القيمة العلمية ﻷن الفروض فيه لا تقوم على موضوعات وهمية، إنما تقوم على وقائع يجرب عليها الإنسان الأوضاع المختلفة أو الفروض العديدة ويستخرج النتائج التي تؤدي إليها هذه الفروض وكل ذلك يجري في الدهن فكل عالم قبل أن يحقق شيئا في الخارج يتصور كل مل يريد عمله(ص 116)، والشاهد على هذا ما فعله كثير من العلماء على رأسهم جاليلو إذ استطاع القيام بكل هذه الابحاث الكثيرة حول ثقل الأجسام واقتنع بصحتها قبل أن يحققها عمليا في الخارج.(ص117).

ثانيا : صور الاستـــــدلال .
للإستدلال صور عدة وهي:
1- استدلال بلا غرض معين.
2- إذا علمت لدينا قضية ويراد البرهنة على صحتها أو فسادها نلجا إلى التحليل المحصل أو إلى التركيب.
3- إذا أريد معرفة العنصر المجهول بواسطة ما له من روابط مع عناصر معلومة نلجأ إلى :
-                    التحليل الباحث .
-                    التركيب .
ينقسم الاستدلال إلى استدلال ذي غاية … واستدلال ليس ليس بذي غاية وهذا النوع هو المعروف غالبا في الكتب المثالية التي تقوم على أساس فروض خيالية وهذا ليس بذي قيمة علمية (ص119).
أما القيمة الحقيقية فهي في – الاستدلال الذي له غاية – إذ يقوم إما على وجود قضية يراد البرهنة على صحتها أو كذبها، أو توجد قضية معلوم صحتها وكذبها يراد استخلاص النتائج التي تترتب عليها .
ففي الحالة الأولى : نقوم ببرهنة من أجل التأدي إلى بيان صحة أو فساد المقدمة الموضوعة أو المطروحة وفي هذه الحالة :
-       إما ان نجعلها نتيجة وإما أن نجعلها مقدمة، فإن جعلناها مقدمة فإما أن نفترض القضية صحيحة ثم نستخلص ما تؤدي إليه من نتائج فإذا كانت هذه النتائج صحيحة كانت القضية صحيحة / وإذا لم تكن كذلك كانت خاطئة. (ص 120-121).
-       وإما أن نستخدم البرهان بالخلف وهو ان نفترض صحة العكس فيؤدي هذا إلى خلف وإحالة أي نتائج تناقض قضايا مسلما بصحتها، وعن طريق إثبات كذب النقيض تثبت صحة الأصل. وهذا المنهج في البرهنة دقيق من الناحية المنطقية لكنه يلزم العقل دون أن ينيره، أي أنه يرغم على الإقتناع لكنه لا يوضح للدهن لماذا يجب عليه الاقتناع بهذا فيضل العقل يشعر بشيء من القلق ﻷنه لم يستنر استنارة كافية من هذا البرهان بالخلف.
أما الحالة الثانية :  فنأتي بالقضية المراد البرهنة على صحتها ونفترضها صحيحة … فنجد أننا نصل إلى نتائج إيجابية صحيحة فيكون الأصل صحيحا كذلك .
-                   وفي هذه الحالة نحن نقوم بعملية تحليل محصل بمعنى أننا نبدأ من قضية ونربطها بقضية أخرى معلومة الصحة، فإن لم تكن معلومة الصحة فنربط بقضية أخرى معلومة الصحة وهكذا إلى أن ننتهي إلى قضية مسلم بصحتها، وبهذا التحليل المحصل نصل إلى الربط بين هذه القضية المعلومة أمامنا وبين قضايا أخرى معلوم صحتها فتثبت صحة القضية الاصلية المعلومة.(ص 120).
-      وقد نقوم بدلا من هذا التحليل المحصل بتحليل باحث شيئا فشيئا حتى نصل إلى قضايا مسلم بها، وهذا النوع … يختلف عن الاول في أن الاول يفترض الصحة والثاني لا يفترضها ويحاول بفرض الفروض أن ينتهي إلى النتيجة المطلوبة. (ص 120).
الحالة الثالثة: وهي التركيب والتركيب عملية عكسية تسير قدما وتبدأ من القضية باعتبارها صحيحة ثم تستخرج كل النتائج وفي هذه الحالة تكون القضية الاصلية معلومة الصحة ويراد معرفة كل النتائج التي تؤدي إليها.

إرسال تعليق

0 تعليقات