تأليف العلامة : محمد بن أحمد ميارة.
هذا ملخص لهذا الكتاب الذي عالج ظاهرة كانت سائدة في عصؤ المؤلف ، وقد حاولت أن أعرض مضامين الكتاب ، أعطي فكرة عامة وشاملة عن محتوى الكتاب ، وربما يغني عن قراءة الكتاب لمن يروم الاختصاروفيما يلي أهم ما جاء في الكتاب
سبــــب تأليـــــف الكتــــاب
هذا الكتاب عبارة عن جواب عن نازلة عرضت على الشيخ ميارة بخصوص جواز تعمير المسلمين من أصل يهودي أو حديثو عهد بالإسلام القبة الكبرى من قيسارية فاس، ونص النازلة كما أورده المؤلف هو :" كنت قد سئلت قبل مدة عن نازلة حكمها أشهر من نار على علم، غنية عن الكلام فيها فضلا عن الكتب بالقلم، هي أن رجلا طلع حانوتا في القبة الكبرى من قيسارية فاس على أن لا ضرر ولا ضرار ولا بأس، فاجتمع سكانها على منعه من ذلك، وتحزبوا على سد تلك المسالك، محتجين على كونه من جنس اصطلح من لا مروءة له ولا دين على شتمهم بالمهاجرين، من غير أن يجعلوا لاصطلاحهم قاعدة، ولا لما ينبني عليه فائدة، مع أن البعض من هذا الجنس فيها قديم إلى الآن ولم يمنعه من طلوعها "
وقال أيضا :" ولم أزل أتطلب نصا في ذلك لمن مضى، وبيان الحكم في ذلك بفتوى أو قضاء ... إلى أن أوقفني بعض الإخوان والأصحاب على فتاوى في عين النازلة لعلماء صلحاء أقطاب ممن يجب بهم الاقتداء ويعتقد أن إجماعهم شفاء لكل داء لم يخافوا في الله لومة لائم ولا صدهم عن الحق بالعزم عازم، فأردت جمعها بحول الله في هذا الكراس ليكون إن شاء الله عدة لرفع الإلباس، وتذكرة لجميع الناس". ص 61.
وقد أقدم المؤلف على تصنيف كتابه رغم إيقانه بصعوبة معالجة هذا المشكل العويص الذي دام ردحا طويلا من الزمن، لا يخمد فترة حتى يعود مرة أخرى وعبر عن ذلك بقوله :"وإن كنت أتحقق من أن النفوس لا ترجع عما الفت ولا تترك ما عهدت، ولو علمت الحق في غيره وتحققت، استحوذ الشيطان فأصمهم وأعماهم وجعل في ظلمات الغي والباطل مآواهم" . ص 61
خطته في تأليف الكتاب.
نقل المؤلف أولا الفتاوى التي صدرت عن العلماء قبله في النازلة، ثم أجوبة معاصريه وبعد ذلك أتبعها :" ببيان ما اشتملت عليه من الفوائد، وبطلان الاحتجاج في النازلة بالعوائد، وما حضرني مما يناسب تلك الفوائد قاصدا بذلك إظهار الحق والشريعة، وإبطال الباطل والبدع الشنيعة " ص 62. وقد حرص المؤلف على أن يعتمد في كل عناصر جوابه على أجوبة من سبقه أو عاصره من العلماء، ليثبت ، ربما حتى ينفي عن نفسه شبهة كونه من جنس الناس الذين تم منعهم من اعتمار القبة، لذلك فجل المسائل التي حررها وعدتها اثنان وثلاثون مسألة كلها مستنبطة من أجوبة العلماء، زيادة على ما اضافه هو من عنده، ويظهر هذا من خلال حرصه على التنبيه في آخر بعض المسائل بقوله مثلا : وهذه المسألة مأخوذة من جواب فلان..."وقد بلغ مجموع الوثائق والأجوبة التي اعتمدها الشيخ ميارة رحمه الله، في البت في النازلة " اثنين وعشرين رسما مما يتأكد استحضاره حفظا وفهما، وقد اشتملت على سؤالين، وبينة لفيف وسبعة عشر جوابا وبراءتين سلطانيتين بتنفيذ الحكم وإمضائه بعدم المنع ومساواة المسلمين، إحداهما لبعض أمراء الدولة المرينية بتاريخ أربع وثلاثين وتسعمائة وأخرى لبعض أمراء الشرفاء الذين بعدهم.
استعراض النصوص التي اعتمدها المؤلف في جوابه على النازلة .
وتنقسم إلى قسمين : نصوص صدرت عن علماء عاشوا قبل عصره ، ونصوص لمعاصريه.
النصوص التي صدرت عن العلماء قبله
نذكرها تباع على وجه الإجمال :
النص الأول والثاني : للشيخ محمد بن على الخروبي الجزائري الطرابلسي ت 963هـ، وملخص جوابه أنه بمجرد أن يدخل الشخص في الإسلام يصير مساويا لعامة المسلمين له مالهم ويجب عليه ما يجب عليهم استنادا إلى حديث :" من دخل ديننا وصلى لقبلتنا فله ما لنا وعليه ما علينا" ثوم قال: "ومانع هذا من الجلوس في أسواق المسلمين عليه العقاب ومن أفتاه بذلك وأعانه وزاد في كميته أخطأ وما أصاب" ثم قال: والكلام في المسألة من وجوه ونجملها فيما يلي :
1. أن في هذا أحداث في الدين لما ليس فيه، يخالف سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم بدليل أن "الصحابة رضي الله عنهم ممن كان من اليهود ودخل الإسلام، لم يثبت عن الشارع صلى الله عليه وسلم أنه نهاهم عن ذلك ولا أمر بإخراجهم من أسواق المسلمين.
2. أن اللوم لا يقع على العوام لأنهم معذورون بالجهل، وإنما اللوم على من وافقهم من الفقهاء على تحسين آرائهم، وإنفاذ شهوتهم .
3. "أنا لو صنعنا هذا بكل من دخل في ديننا لأخرجنا من أسواقنا نفرا كثيرا، واخرج آباؤنا من قبلنا ثم نحن من بعدهم ويتسلسل الأمر، وأينا لم يكن له آباء حدثوا عهد بالإسلام" . ثم بين أن مثل هذا الفعل لا يأتيه المرء إلا من باب الحسد والمكر" وخوف على دنياه الخسيسة أن يشاركه فيها غيره".
النص الثالث : ولا توجد فيه إشارة إلى صاحبه، وقد أكد على حق صاحب النازلة في تعمير حانوته بالقيسارية، مشيرا إلى الفتاوى المتعددة التي تؤكد حقه هذا وبطلان ما استند عليه خصومه.
النص الرابع : للشيخ أحمد الحباك هو عبارة عن رسالة أجاب بها على سؤال أمير وقته في النازلة، وفيها يحث الأمير على الأخذ بيد المتضررين، وضمان حقهم في تعمير القيسارية، وعدم تمييزهم عن باقي المسلمين لأن هذا "مخالف لما كان عليه الصحابة، فكثير من اليهود اسلموا في زمن رسول الله صلى الله عليه وسلم فما استنقصوهم ولا استحقروهم" ص 69 .
النص الخامس: للشيخ عبد الواحد ابن احمد الونشريسي، وفيه تأكيد لما قال الشيخ احمد الحــباك ثم قـــال :"والمسلمون كلهم مهاجرهم وغير مهاجرهم محمولون على السلامة في معاملاتهم، ومن تبين فيه غش أو إدخال فساد في الأسواق فأمين السوق والناظر في مصالحها يؤدبه، ويخرجه من السوق إذا لم يرتفع ضرره إلا بذلك، والمهاجر وغيره في ذلك سواء " ص 70.
أما النص السادس: وهو للشيخ محمد بن احمد اليستيني.
والنص السابع: وهو للشيخ عبد الوهاب بن محمد الزقاق.
والنص الثامن: للشيخ محمد القوري.
والنص التاسع: للشيخ علي بن موسى بن هارون ت 951 بفاس ، إلى غاية النص الخامس عشر للشيخ أحمد بن حيدة الوهراني ت 955 هـ كلها تؤيد الفتوى المذكورة خاصة فتوى الشيخ أحمد الحباك.
النص السادس عشر: وقد تضمن نص الوثيقة التي استند عليها تجار القيسارية لمنع المهاجرين من تعمير الحو انيت بها ونص الوثيقة كالآتي :"
يشهد من يتسمى عقب تاريخه من أهل فاس. وفرهم الله بمعرفة قبة قيسارية المدينة المذكورة كلاها الله وحفظها، ويشهدون أنهم منذ عرفوا بعقولهم وميزوا بأذهانهم أن القبة المذكورة لم تزل تلحظ بعين الوقار وتنزه حتى عن دخول الملاهي والمزمار لا يعمرها من أهل الفضل والديانة ممن تحفظ عندهم الوديعة وتؤتمن عندهم الأمانة. وكذلك من سمع من آبائهم عن أسلافهم أن المهاجرين من المسلمين ممنوعون من اعتمارها بطول الأيام، وتقادم الشهور والأعوام. أن من تقدم أو تأخر من ملوك الإسلام قدس الله أرواحهم لم يبيحوا لهم أن يعمروها، ولم يسمحوا لهم في ذلك بوجه ولا بحال. مستمرين على ذلك خلفا عن سلف حتى الآن، لم يخرق أحد من الملوك ولا من العلماء المتقدمين ولا من المتأخرين على سكانها بدخول المهاجرين فيها عادة. ولا إحداث نقص في ذلك ولا زيادة صونا للقبة المذكورة عن الغش والخيانة، بأن يعمرها من لا مروءة له ولا ديانة، فمن علم الأمر حسب نصه قيد به شهادته أواخر شهر الله المحرم الحرام فاتح أربع وثلاثين وتسعمائة. انتهى".
وبعد ذكر نص هذه الوثيقة، أورد الشيخ ميارة جملة من النصوص التي تنقض حجية هذه الوثيقة، وتبطل مفعولها، وتعريها من كل سند شرعي. وسنذكر محتوى هذه النصوص بنوع من الإجمال:"
النص السابع عشر: للشيخ أبي علي حرزوز في رسالة إلى الوزير أبي عبد الله المسعود واصفا فيها الوثيقة بقوله :"وبلغنا هذا المرسوم المخالف للحق المعلوم فامتثلنا الأمر، واجتمعنا بأصحابنا على الفور وتأملناه تأملا شافيا، فألقيناه من الفائدة خاليا، ومن تياب الحق عاريا فهو غير مكمل. ولو كمل فما عليه من معول. إذ انه مخالف للآيات القرآنية والأحاديث النبوية والحق والصواب الذي يقع به الجواب أن الحكم لا يكون إلا بما انزل رب العباد، وبما بين الهادي إلى طريق الرشاد لا بما عقله أهل الغي والعناد عن الآباء والأجداد من العوائد المؤدية إلى الفرقة والفساد" ص 70.
ثم ذكر جملة من النصوص الشرعية التي تؤيد بطلان ما ورد في الوثيقة، وتؤكد على مساواة المسلمين، بغض النظر عن الجنس واللون والعرق والنسب إلى أن قال :" فكيف يسوغ لموثق هذه الوثيقة الشنيعة، المكذوبة البشيعة، أن ينسب إخواننا في دين الله إلى الغش والخديعة أخذ الله منه الحق، وسلب الستر عنه، فإنه كتب بيده وفوه بفيه، وادخل في الدين ما ليس فيه، فالذي علينا محبة إخواننا المؤمنين كما قال أصدق القائلين:"يحبون من هاجر إليهم"، وقال صلى الله عليه وسلم:" المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يخذله ولا يحقره" ... إلى أن قال :" ومرتكب الضرر بهؤلاء المؤمنين يدخل السرور على أعدائنا في الدين، لأنهم خالفوا دينهم الفاسد، واعتقدوا غير اعتقادهم الكاسد، فحقوق المهاجرين لدين الله واجبة ترعى، عادة وشرعا ومن لم يعرف ما لهم من الحقوق فقد حاد عن طريق البر وارتكب طريق العقوق". ثم وجه الخطاب للأمير الذي استفتاه قائلا :" فالذي يجب عليكم أعزكم الله أن تكتبوا لخليفتنا ومن به قوام دنيانا وديننا، أن يكون متابعا لما أفتى به علماؤنا فإن النبي صلى الله عليه وسلم قال :" يد الله مع الجماعة " فقد أفتوا وفرهم الله بما أجمع عليه علماء الملة، فكونوا في عونهم على حسم هذه العلة".
ثم أورد الشيخ ميارة جواب الشيخ عبد الرحمن الوقاد (النص الثامن عشر)، جواب الشيخ عبد الله بن العافية الذين أيدا فتوى الشيخ ابن حرزوز المذكورة آ نفا.
النص العشرون: ولم يذكر فيه صاحبه وقد تناول الوثيقة بالنقد لبنودها المخالفة للشرع بندا بندا خاصة الاستناد على العرف الذي جرى عليه الآباء من منع المهاجرين من تعمير القيسارية إلى أن قال :"وإن كان المهاجر للكفر الداخل في الإسلام، يسمح له في دخول الأماكن المعظمة والبقاع المكرمة كمكمة والمدينة وغيرهما من الأماكن المشرفة، فكيف يسوغ منعه من دخول سوق من أسواق التجارة؟ هذا عن كان دخل في الإسلام بنفسه فكيف بمن يعد في الإسلام الجد والجدين وأكثر، بأي سبب يفضله غيره، وما الفضل إلا لأهل التقى بدليل قوله عز وجل :"إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ)(الحجرات: من الآية13) . كما أكد أن من شروط دخول أسواق المسلمين المعرفة بالحلال والحرام :" وأما من كان جاهلا بالحلال والحرام من مهاجر أو حنفي أو غيره فهذا هو الذي يجب منعه من اعتمار القيسارية " ص 83.
ثم ختم جوابه بقوله :" فإذا كان القديم العهد بالإسلام يعامل بأقبح معاملة، فما ظنك بمن يريد الدخول في الدين من عامة المشركين، فإذا سمع بمثل هذا فهذا مما يوجب تنافره وتباعده".
النص الواحد والعشرين: وهو للشيخ محمد المسعود يزكي فيه ما ورد في الفتاوى السابقة من تحريم المنع.
النص الثاني والعشرين: وتضمن رسالة السلطان محمد الشيخ السعدي إلى تجار فاس آمرا إياهم " أن يقتفوا آثار الشرع العزيز في بياعاتهم وشراءاتهم ويسيروا في كل تصرفاتهم ومعاملاتهم، ويتجنبوا الخداع وكتمان العيب "... إلى أن أشار إلى قضية المهاجرين بقوله :" وأن يتركوا التفاخر بالأنساب، ونبز من قرب دخوله أو بعد في دين الملك الوهاب، فلا فارق في الدين ولا فرق بين المسلمين "أنتم بنوا آدم وأدم من تراب" . ثم قال :" فمن ابتغى غير هذا أو مال للطعن بهذا عربي وهذا أعجمي أو ذا حنفي وذا أسلمي، وأراد العوائد الخارجة عن المعتاد المؤدية إلى الفرقة والفساد، فقد اشتغل بالبغي والعناد وحاد عن سبيل الهدى والرشاد واخطأ الصواب وما أفاد ولا أجاد فأسواق المسلمين شيء واحد، ولا يختص ببعضها واحد دون واحد. ومن منع أحدا اجتراء وعنادا فعليه العتاب لأنه خاطئ للصواب" إلى أن قال :" والقيسرية كسائر الأسواق لا يستبد احد بقبتها الكبرى دون غيره على ما أفتى به علماء الآفاق".
أجوبة المعاصرين للشيخ ميارة .
قال الشيخ ميارة :"وإذا فرغنا من نقل ما وقفنا عليه الآن لمن قبلنا فلنشرع في نقل فتاوى بعض أهل وقتنا " وهي أربعة نصوص نجمل مضمونها فيما يلي:النص الأول: وهو لقاضي فاس الشيخ علي محمد الشريف المري. وفيه أنه لا يحل لمسلم إذاية مسلم في نفسه ولا في ماله إلى أن قال:" ومن ملك حانوتا أو غيرها أو ملك منفعتها بشراء أو غيره لا يمنع منها ويتسبب في أنواع المكاسب بالوجه الشرعي. ومن تضرر به المسلمون في أسواقهم بغشه أو تدليسه وخديعته، وتكرر منه ذلك يقام من أسواق المسلمين كائنا من كان، ويجب الكف عن إذاية المسلمين في أعراضهم وأموالهم والله أعلم.
النص الثاني : للشيخ عبد المومن بن محمد وفيه نفس المضمون تقريبا من التأكيد على المساواة التامة بين المسلمين، تحريم التفريق بينهم بأي معيار غير التقوى. أما النص الثالث فقد زكى صاحبه ما ورد في الجوابين السابقين. ولم يخرج النص الرابع عن نفس المحتوى من التأكيد على مساواة المسلمين، وأرجع سبب المشكل إلى الحسد العجب والتنافس على حطام الدنيا، وأنه ليس له أي سند ديني إلا ذلك.
جواب الشيخ ميارة على النازلة.
بعد أن ذكر الشيخ محمد ميارة رحمه الله أجوبة السابقين والمعاصرين له في النازلة قال :" وقد رأيت أن أذكر ما اشتملت عليه أجوبة الأقدمين المذكورة من المسائل، للتنبيه عليها لكل سائل ... ولنأت بها مرتبة على ترتيب تلك الأجوبة إذ هي الأساس والأصول، وهذه المسائل عنها فروع وفصول ".
كما نص على أن أكثر هذه الأجوبة فائدة ثلاث: جواب العلامة محمد الخروبي، وجواب العلامة أبي على بن حرزوز، وجواب العلامة محمد الحباك. ثم قال :" أما غيرهم فاكتفى بالإحالة على هذه الأجوبة فلم يطول رحم الله جميعهم بمنه وكرمه". ونذكر المسائل التي فصل فيها الشيخ محمد ميارة جوابه باختصار كالآتي :
1. أن منع الرجل الحديث العهد بالإسلام من الجلوس في أسواق التجار مخالف للشرع، ويعاقب مانعه من ذلك لأنه ظالم للرجل المذكور، ثم أشار إلى بعض الشرفاء الذين انخرطوا في هذا الأمر، مذكرا إياهم بدورهم المتمثل في تأليف قلوب الناس على الإسلام والرفق بهم بدل تنفيرهم منه بسوء المعاملة وتمييزهم عن باقي المسلمين. يقول في ذلك :" وإذا تسبب الشريف بحسن أخلاقه ومعاشرته لخلق الله تعالى في زيادة حبهم في الحبيب صلى الله عليه وسلم، قدم يوم القيامة على جده المصطفى وقد أرضاه، وفعل ما بعث به سيد الخلق من سياقة الخلق إلى مولاه، ومن تسبب في نفور كما روي أن مؤمنا ارتد بسبب إذاية شريف فهذا خطر عظيم. ص 101.
2. أن مانعه من ذلك قد أحدث في الدين ما ليس منه، إذا لم يثبت عنه صلى الله عليه وسلم ولا عن الخلفاء رضي الله عنهم أنهم أخرجوا أحدا ممن ذكر من أسواق المسلمين وحاشاهم من ذلك ... " وإذا تقرر أن هذا المنع خلاف الشرع وأنه بدعة شرعية" فيبطل قول من اعتد بقدمه وأقام عليه البينة، واعتقد أنه من العادة المحكمة ليجعله أصلا يبني عليه الحكم بشهوته وتصحيح كذب دعوته، وأين هذا مما تقرر شرعا أن المعدوم شرعا كالمعدوم حسا".
3. أن المطلوب في الشرع الرفق بالداخلين في الإسلام وإيثارهم بالعطاء، والأخذ بقلوبهم وعضدهم وتأنيسهم بالقول والفعل" ولأن سوء معاملة المسلمين الجدد تؤدي إلى صد غيرهم عن دخول الإسلام والتفكير كثيرا قبل الإقدام على خطوة كهذه. ولدعم هذه المقولة يحكي الشيخ ميارة هذه الحكاية قائلا:" وقد سمعنا من غير واحد ممن يخالط أهل الذمة ويكثر ملاقاتهم بالمعاملات أنه إذا قيل لأحدهم أسلم أو ادخل في دين الإسلام يقول له:" لا يا مولاي هو اليوم يهودي على بابه، وإذا اسلم كرهه أهل دينه وأساء المسلمون معاشرته، فيبقى واسطة لا يحسب من المسلمين ولا من اليهود فيزيد تصميما على دينه ورغبة فيه".
4. أن المانع من مما ذكر خالف قوله صلى الله عليه وسلم :" من دخل ديننا وصلى "لقبلتنا فله ما لنا وعليه ما علينا" .
5. أنه يلزم من منع الرجل المذكور في السؤال من اعتمار القيسارية منع جميع الناس مما ذكر، لا يقتصر في المنع على من دخل في الإسلام بنفسه بل يقول بمنعه ومنع ذريته وإن سفلوا، ومعلوم بالضرورة أن كل من لم يسلم بنفسه بأن ولد لأبوين مسلمين فقد أسلم من قبله من الآباء قربوا أو بعدوا". .. فما وجه اختصاص القبة بهذا الحكم؟ .
6. أنه إذا كان لا يمنع الداخل في الإسلام من الدخول في أسواق الآخرة، من المساجد والمواضع المعظمة، حتى روضته صلى الله عليه وسلم التي هي أشرف البقاع بإجماع، فكيف يمنع من أسواق الدنيا الخسيسة ... ص 114.
7. أن الغالب على الظن أن فاعل ذلك إنما فعله حسدا ومكرا وخوفا أن يشارك في دنياه الخسيسة.
8. أن من أفتى من الفقهاء بمنع الرجل مما ذكر أخطأ الصواب وجار وظلم في الجواب، وعليه يتعين اللوم والعتاب لا على العوام الجاهلين بعقائدهم فضلا عن غيرها من الأبواب، وإن ذلك المفتي إنما أفتى العامة بما يوافق شهوتهم ورأيهم وعادتهم، لا بما يوافق الشرع. ناهيك بمن هذا وصفه فأين النصيحة الواجبة على أئمة المسلمين لعامتهم" ص 116. واستدل بنص ذكره صاحب المعيار عن الإمام الشاطبي ما نصه: إذا عرض العامي نازلته على المفتي فهو قائل له أخرجني من هواي ودلني على اتباع الحق"، واستدل بقول الشاطبي أيضا:" تستعظم شرعا زلة العالم وتصير حقيرته كبيرة من حيث كانت أفعاله وأقواله جارية في العادة مجرى الاقتداء... فإن ارتكب زلة تجاسر عليها الناس تأسيا به وتوهموا فيها رخصة علم بها هو دونهم تحسينا للظن به".
9. أن المنع إن كان لاعتقادهم أن في هؤلاء القوم نقصا، وأنهم ليسوا كسائر المسلمين فهذا مخالف لما كان عليه الصحابة رضي الله عنهم، إذا لم يثبت عنهم تنقص أحد بذلك ولا إهانته وحاشاهم من ذلك وإن كان لاعتقادهم أنهم يضيقون عليهم في رزقهم فالأرزاق بيد الله.
10. أنه لا يمنع أحد من سوق الأسواق لأن المسلمين كلهم محمولون على السلامة في معاملاتهم ومن تبين فيه غش أو نحوه أدبه أمين السوق، والقيسارية وغيرها في ذلك سواء.
11. أن ما أفتى به هؤلاء العلماء لا يسوغ في ملة الإسلام غيره، ولا ينكره إلا من ظهر جهله وضعف عقله.
12. أنه يجب على من بسطت يده في الأرض من أمير وغيره أن يرفع المضرة عن المسلمين وتقدم بيان هذا الضرر في أول المسألة الثامنة .
13. أنه لا يفرق بين المسلمين إلا من كان متابعا لأهل الأهواء، واستحوذ عليه الشيطان بالتسويل والإغواء .
14. أن الوثيقة المشهود بها في المنع مخالفة للحق ... وهي مخالفة للكتاب والسنة وما أجمعت عليه الأمة. وباقي المسائل تتناول مناقشة الوثيقة ومدى شرعيتها وذلك من الوجوه التالية:
15. أن الوثيقة خالية من الفائدة وهي كذلك، إذ لم يتحصل منها ما ينفع في دين ولا دنيا بل هو مضر فيهما معا.
16. أن الوثيقة مخالفة للكتاب والسنة، وحاصلها محاولة إثبات باطل وهو منع المسلم مما أبيح له، مع ما يلحق بذلك من الإهانة بشهادة زورية.
17. انه لا معول على ما عقله شهودها عن آبائهم من العوائد المؤذية إلى الفرقة والمفاسد.
18. "أن شهود الوثيقة أهل غي وعناد، لا أهل دين ورشاد لتفريقهم بين العباد بما يسألون عنه يوم التناد ". وفي هذا تجريح للشهود فتبطل شهادتهم.
19. أن هذه العادة خارجة عن المعتاد أي عن قانون الشريعة لمخالفتها ما دل عليه الكتاب والسنة.
20. أنه لا فضل لأحد على أحد إلا بالدين.
21. منع السب بالأنساب إذ الجميع بنو رجل واحد وهو آدم ، وبعضهم قريب من بعض كما في الحديث :" الناس كأسنان المشط".
22. أن الرجوع إلى الحق في هذه النازلة وما في معناها من ترك التفاخر بالأنساب محال عرضي، أي هو جائز عقلا ولتعلق علم الله تعالى بعدم وقوعه صار محالا.
23. أن كل من كان في الدنيا متصوفا بالدين فإن الله تعالى يرفع قدره في الآخرة، وإن كان في الدنيا خامل الذكر، ومن كان على خلاف ذلك وضعه الله يوم القيامة وإن كان في الدنيا من اشرف الناس وكبرائهم مجازاة لكل واحد منهما على حاله في الدنيا.
24. شهادة العلماء العاملين الذين لا تأخذهم في الله لومة لائم تؤكد حق المهاجرين، وتبطل دعوى خصومهم.
25. أن هذه الوثيقة غير وثيقة، وإنما هي شنيعة بشيعة مكذوبة، وحاصل ما اشتملت عليه أمور خمسة: أولها : الشهادة بالسماع من آبائهم أن المهاجرين ممنوعون من اعتمار القبة المذكورة، الثاني : أن من تقدم من الملوك لم يبيحوا لهم ذلك، والثالث أن هذه العادة لم يخرقها احد من الملوك ولا من العلماء، والرابع أن وجه الغش صون القبة المذكورة عن الغش والخيانة، والخامس وهو يفهم من فحوى الوثيقة أن لا مستند للمنع إلا العادة فقط وكل هذه الأمور سفسطة لا طائل تحتها كما تقف عليه الآن إن شاء الله.
أما الأول: أن شهادة السماع لا تجوز في مثل هذا الموضع، لأنه لا يلجأ إليها إلا عند تعذر العلم، وحتى لو ثبت ذلك بشهادة القطع ما انبنى عليه شيء ولا كان حجة في المنع إذ المعدوم شرعا كالمعدوم حسا.
أما الثاني: أن من شروط شهادة السماع عدالة الناقلين، ومن تصدى لمنع أخيه المسلم من حقه وتحقيره وإهانته كهؤلاء الشهود وإن لم يكونوا من سكانها فقد اتصف بكبيرة تسقط عدالته وتخل مروءته، فلا تقبل شهادته.
الثالث: أن من شروط شهادة السماع عدم تسمية المنقول عنه، فإن سموا خرجت من شهادة السماع إلى الشهادة على الشهادة قاله ابن القاسم وأصبغ. وهؤلاء قد سموا المنقول عنه وهو آباؤهم فلا تصح شهادتهم وليست شهادتهم من باب نقل الشهادة بل من باب نقل النقل ولا تصح أيضا لعدم شرط النقل .
الرابع: أنه يشترط في شهادة السماع كون المشهود به لا يدرك بالبث والقطع عادة فإن أمكن عادة البث به لم تجز فيه شهادة السماع وهو مقتضى قول الباجي .
الخامس : أن هؤلاء الشهود لم يكونوا من سكانها فيكفي في بطلان الشهادة ما تقدم، وإن كانوا من سكانها فيزاد على ذلك ما تقرر من قواعد الشريعة من أن من موانع الشهادة في الجملة جر المنفعة، وهؤلاء ما منعوا من منعوا إلا ليستبدوا بأرباح ذلك الموضع كما صرح بذلك الأئمة الثقات.
أما قولهم بأن من تقدم من الملوك لم يبيحوا لهم ذلك فلا عبرة به أيضا لأن هذه شهادة على نفي فلا تقبل ولو قبلت فما عليها من معول لأن هذا المنع مخالف للشرع كما صرح الأئمة في أجوبتهم فلا عبرة به.
أما قولهم بأن هذه العادة لم يخرقها أحد من الملوك ولا من العلماء فلا دليل فيه على صحة هذه العادة وموافقتها للشريعة، وكم من منكر مجمع عليه وبدعة قبيحة جرت بهما العادة وظلم يقع بالناس ولم يتعرض لتغييرها ملك ولا عالم وليس الخبر كالمعاينة.
أما قولهم بأن وجه المنع صون القبة المذكورة عن الغش والخيانة ... فحاصله الشهادة على الجنس كله من وجد منهم في وقتهم وفيما قبله وفيما بعده إلى يوم القيامة بالخيانة والغش، وعدم المروءة وقلة الدين والشهادة لغير الجنس المذكور بالتزكية ونفي الغش عنهم والخيانة وإثبات المروءة والدين، وزور هذه الشهادة وكذبها غير خفي.
أما الاعتماد في المنع على العادة فلا يصح، لأن هذه العادة وإن كانت قديمة فلا عبرة بها وهي باطلة لمصادمتها ما دل عليه الكتاب والسنة من كون المؤمنين إخوة. ولو ثبتت العادة بحكم عالم من العلماء لبحث معه في ذلك ونقض حكمه فيها لمخالفته الكتاب والسنة وحسبما صرح بذلك الأئمة في أجوبتهم المتقدمة، والحكم ينقض إذا خالف نص الكتاب أو السنة أو خالف الإجماع أو القياس الجلي ...فكيف وهو من فعل غوغاء العامة وجهلتهم ممن يريد إجراء الشريعة على شهوته، وتقريرها على وفق بدعته، ولا شك في كذبه في ذلك على شريعة خير المرسلين.
26. أن الواجب محبة من دخل في الإسلام لا بغضه.
27. أنه لا يجوز ظلم المسلم ولا خذلانه ولا تحقيره، للحديث الصريح في تحريم ذلك.
28. أن الشارع صلوات الله وسلامه عليه حض على إدخال السرور على المؤمنين كما تقدم لقوله صلى الله عليه وسلم :" من أدخل على المؤمن سرورا لم يرض الله له ثوابا إلا الجنة".
29. أن المشتغل بذلك والمعترض له مشتغل بالفضول وخالف المعقول والمنقول وخالف قول الله وفعل الرسول...ولا ينبغي أن يختلف في تحريم ذلك الاشتغال بذلك لسرعة تأديته إلى العداوة.
30. أن الشتم بلفظ المهاجر لا يجوز، لأن فاعله قد شتم أخاه بدين الإسلام، وغيره بدخوله في ملة النبي عليه الصلاة والسلام من عوام المسلمين وعلمائهم الأعلام، بل وجماعة من أصحاب النبي عليه السلام وتسبب في التقاطع والتدابر والبغضاء والتنافر المذكور.
31. أن أسواق المسلمين لا يجوز أن يعمرها إلا عارف بأحكام البيع والشراء كائنا من كان لخبر "لا يجوز لأحد أن يقدم على أمر حتى يعلم حكم الله فيه"، والجاهل بذلك يمنع من اعتمار القيسارية وغيرها كائنا من كان... وأن تنحية الداخل في الإسلام حديثا عن التسبب في الأسواق تهاون بالدين، وأن هذه العادة وإن قدمت باطلة لا عمل عليها، ولا عبرة بها وأن الحامل للمانع لها إما الحسد وإما البغض وأن معاملة القديم العهد بالإسلام بذلك يوجب نفرة من يريد الدخول في الدين من عامة المشركين.
32. قال ميارة :" فإن قلت جميع ما نقلته أو ذكرته صحيح ووجهه جلي مليح لـتأييده بالآيات والأحاديث المرويات وأقوال العلماء السادات ولكن أين من يعمل به... فإن النفوس لا ترجع عما ألفت، ولا تترك ما قد عهدت ولو علمت أنه محض الباطل وتحققت... فالجواب أن كلامنا إنما هو في تمييز الحق عن الباطل، وبيان الشريعة لكل باحث عنها أو سائل. أما العمل والامتثال فأمور وراء ذلك وليس من تلك المسالك، فإن الأمر كما قيل الدعوة عامة والتوفيق خاص بالبعض...وأن جميع ما نقلته أو ذكرته إنما هو حكاية وإخبار عن الشارع فعدم العمل به والإصغاء إليه عصيان للشارع لا للناقل عنه...
وكذلك هذه المسألة أهل زماننا فيها على ثلاثة أقسام.
القسم الأول: يعتقدون الحق حقا ويصدعون به.القسم الثاني: وهو أكثر من الأول يقولون بأفواههم ما ليس في قلوبهم، والله أعلم بما يكتمون.
القسم الثالث: وهو غالب الناس انقلبت عليهم الحقيقة والتبست عليهم الطريقة فأنكروا المعروف وعرفوا غير المألوف، وظهر فيه مصداق الحديث المروي في القديم :" لا تقوم الساعة حتى يصير المعروف منكرا والمنكر معروفا" .
خاتمة
وقد انتهى الأمر بالشيخ ميارة رحمه الله في هذا الكتاب إلى إثبات حق فئة من المسلمين منعت منه لأسباب اقتصادية بالأساس مع أن الخصوم استندوا على الدين في فرض رأيهم، وتحقيق مصلحتهم، وفي هذا الكتاب غنية وكفاية سواء فيما نقله المؤلف عن غيره من العلماء أو ما قرره هو بنفسه استنادا إلى تلك النقول. وهنا تظهر خطورة إقحام الدين في بعض المشاكل الدنيوية واستغلاله لردع الخصوم، مع انه جاء في الأصل لإنصاف الجميع، والإقرار الحقوق لأصحابها دون تمييز .
0 تعليقات