نظمت الرابطة المحمدية للعلماء ندوة علمية دولية في تاريخ العلوم في الإسلام أيام 24- 25 -26 فبراير 2010 بأكاديمية الملكة المغربية بالرباط .وقد سارت أشغال الندوة في سبع جلسات على مدى ثلاثة أيام ، كل جلسة اختصت بمعالجة محور خاص وعليه فسنلخص أشغال هذه الندوة في سبع محاور كل محور هو تلخيص لأهم ما جرى في كل جلسة على حدة - طبعا – بنوع من الاختصار، على أن أشغال الندوة ستنشر بكاملها لا حقا من قبل الرابطة المحمدية للعلماء. وعليه فهدفنا من هذا الموضوع هو إلقاء نظرة مختصرة عن أشغال هذه الندوة.
المحور الأول : تاريخ العلوم في الإسلام مصادر ومشكلات وقد تدخل فيها:
كان أول المتدخلين فيها هو الدكتور رشدي راشد احد أبرز مؤرخي العلوم في الإسلام ونجم الندوة بلا منازع، تحدث عن "العلم العربي وتجديد تاريخ العلوم"، وكانت كلمته بمثابة مدخل تاريخي عام للندوة ككل، فتحدث عن ظهور تاريخ العلوم منذ اليونان حيث ظهرت إرهاصات هذا العلم من خلال أعمال بعض حكماء اليونان الذين أشاروا في مؤلفاتهم إلى جهود السابقين عليهم في مواضيع مؤلفاتهم ومثل بأرخميدس وأبولونيوس.
وفي الحضارة الإسلامية مثل بعمر الخيام الذي سلك نفس المسلك.
ثم أشار إلى كتب الفهارس كفهرست ابن النديم وأضرابه، لكن ما ذكر كان مجرد تذكير بالجهود العلمية ، ولم تكن الغاية منه تتبع العلم وبيان مساره لأن هذا عمل يحتاج إلى منهج جديد في التأريخ .
والتأريخ للعلوم بمعناه الصحيح لم يبدأ إلا في القرن 18 مع عصر التنوير حيث نشا ما كان يسمى "الأكاديميات" التي كانت ذلك الوقت بمثابة مراكز البحوث في عصرنا هذا.
تاريخ العلوم إذن منشؤه هو فلسفة التنوير لحاجة هذه الفلسفة على هذا العلم، وذلك بغرض رصد التقدم المستمر للحقائق العلمية وتراكمها لاستبعاد الأخطاء السابقة التي حجبت التنوير عن الإنسانية.
وفي خطوة لاحقة لم يعد كافيا الكشف عن أعمال العلماء وبيان أخطائهم كافيا، بل أصبح مطلوبا تتبع الفترات والمراحل ورصد التطور وبيان التقدم المستمر الذي حكم الانتقال من فترة إلى أخرى.
ولهذا ظهر في فترة لاحقة العلم العربي الإسلامي كفترة مهمة من تاريخ العلم الإنساني، ومن تم لم ينقطع الاهتمام بالعلم العربي، رغم أن المؤرخين آنذاك واجهوا فقرا كبيرا في المعلومات، وكان القليل الذي اعتمدوه في التأريخ مصدره هو الترجمات اللاتينية القديمة ( كان هذا في ق 18).
وبعد القرن التاسع عشر ظهرت المدرسة الرومانسية الألمانية، والتي بدأت بالدراسة المكثفة للغات، ثم سرعان ما انتقلت إلى دراسة الدهنيات فصار التمييز بين اللغات السامية والآرية ... فانتهى بهم الأمر إلى الرجوع إلى اللغة اليونانية القديمة مباشرة، لكن واجهتهم مشكلة تتمثل في بعض النصوص اليونانية مفقودة وكانت موجود فقط باللغة العربية فقط. ومع ذلك فقد خلصوا في أعمالهم إلى الساميين لا حظ لهم من العلم، كانوا يرون أن العلم لا يمكن أن يكون إلا أوربيا، ومع ذلك لم يستطيعوا إهمال الحاجة إلى العلم العربي الإسلامي في عملية التأريخ للعلوم، وقد سادت هذه النظرة العقائدية للعلم العربي الإسلامي في القرن 19 وبداية القرن 20.
إلا انه وللإنصاف لا بد من الإشارة على ظهور نظرة أخرى من قبل عدد من العلماء مثل فودكه، زوته ... حيث بينوا أصالة العلم العربي الإسلامي وأبرزوا مكانته مما أدى إلى فهم أدق للعلم العربي وإسهامه في العلم الكلاسيكي.
إذ كان العلم العربي عالميا في منابعه حيث كانت مصادره وإن كان أغلبها يوناني فقد كانت أيضا سريانية وسنسكريتية، إذ قام علماء مجتهدون بالتنقيب عن الكتب والمصادر القديمة ونقلها إلى العربية.
هذه العلوم تطورت وظهرت مباحث علمية جديدة لم يسبق لها مثيل مثل علم الجبر، وبات من الممكن ولأول مرة في التاريخ قراءة ترجمات لعلوم عديدة، لعات مختلفة بلغة واحدة هي العربية، والتي انتشرت في رقعة جغرافية واسعة وساهمت فيها شعوب وأمم متعددة.
ومن جهة أخرى فقد كان العلم العربي عالميا في امتداداته وتأثيراته فيما بعد خاصة الامتدادات اللاتينية والإيطالية والعبرية. ولهذا كان فهم العلم الكلاسيكي المدون باللاتينية لا يتم إلا بالنظر إلى مصدره الذي هو العلم العربي.
كان القرن السابع عشر متعاليا بحث بدا وكان كل ما أنتجه كان جديدا لأنه أحدث قطيعة مع ما كان قبله الأمر الذي أخفى دور العلم العربي الإسلامي في تاريخ العلم، وإن كان هذا لا ينقص من جهود علماء هذا القرن مثل ديكارت غاليلو وأنتجوا من جديد .
وختاما فإن دراسة تاريخ العلم العربي تهدف إلى ثلاث أمور:
الفهم الحقيقي لتاريخ العلم الكلاسيكي بدراسة تاريخ هذا العلم .
تصحيح الصورة التي شوهتها النظرات الرومانسية.
تصحيح النظر إلى التراث الإسلامي الذي يحتوي أيضا على العلوم والفلسفة.
كما أن دراسة العلم العربي الإسلامي وبيان إسهامه في العلم الإنساني لا يتم إلا بإنشاء مراكز البحوث المهتمة بهذا الشأن.
أما الكلمة الثانية فكانت من نصيب الدكتور محمود الحمزة الباحث بمعهد تاريخ العلوم والتكنولوجيا التابع لأكاديمية العلوم الروسية بموسكو، وكان كلمته حول "دراسة المخطوطات الرياضية العربية الإسلامية في روسيا" حيث بدأت دراسة المخطوطات العلمية التي أنتجها المسلمون منذ حوالي ستبن عاما، وذلك مع نشر أول دراسة معمقة للمستعرب الروسي ليوشكيفيتش عن الجبر عند عمر الخيام (1984)، وقد تأسست مدرسة كاملة سوفيتية لدراسة تاريخ الرياضيات العربية والإسلامية توزعت فروعها في مدينة موسكو ولينيغراد (سان بيترسبورغ حاليا) وقازان وطشقند وباكو ... وعمل العشرات من المختصين السوفييت في اللغات والعلوم الدقيقة على ترجمة مخطوطات عربية نادرة محفوظة مكتبات تلك المدن في الرياضيات والفيزياء والطب والفلك والهندسة والصيدلة وغيرها.
وتدل الأبحاث المنشورة على غزارتها وعمقها وموضوعيتها في تقييم الإسهام العلمي العربي والإسلامي في تقدم العلوم وتأثيرها في النهضة الأوربية، وللأسف فإن هذه الأبحاث العلمية والنتائج القيمة التي توصل إليها هؤلاء المستعربون الروس مجهولة عند القارئ العربي.
فقد قاموا بجهد أثمر دراسات كثيرة حول الخوارزمي والبيروني وثابت بن قرة وابن سينا وعمر الخيام وعبد الرحمن الخازني ونصير الدين الطوسي وأبي كامل المصري وأبي الوفاء البوذجاني وجشميد الكاشي وبهاء الدين العاملي وابن عراق وابن البغدادي وابن الياسمين. وغيرهم .
أما دراسة الرياضيات في الغرب الإسلامي فقد بدأت في روسيا منذ سبع سنوات فقط من طرف الدكتور محمود الحمزة – صاحب الكلمة – حيث قام بالاشتراك مع الباحثة مريم روجانسكايا بترجمة مخطوطة ابن البناء المراكشي ، كما أنجزت ترجمات مع دراسات تاريخية ورياضية لأجزاء من مخطوطات ابن الحصار وابن غازي الفاسي والقلصادي ويعيش الأموي وابن الهائم وابن الياسمين وغيرهم.
وتجدر الإشارة إلى المستعربين الروس لم يهتموا بتحقيق المخطوطات بل اهتموا بترجمتها إلى الروسية، ودراستها دراسة معمقة لإبراز الجديد الذي جاء به كل مخطوط وإسهامه بالمقارنة مع ما ألف قبله .
وقد ركز المتدخل كلمته حول المسيرة العلمية للمستعربة الروسية الشهيرة غالينا ماتفييفسكا (1930) كأنموذج ساطع على دور المستعربين الروس في إحياء التراث العلمي العربي والإسلامي في القرون الوسطى، التي قضت مدة ثلاثين عاما في ترجمة ودراسة المخطوطات العلمية العربية والإسلامية ونشرت المئات من الدراسات والبحوث العلمية المعمقة ومن أعمالها :
تاريخ دراسة المقالة العاشرة لأقليدس، ودراسات حول العدد في العالم الإسلامي في القرون الوسطى، ولها دراسات عن الخوارزمي والبيروني والفارابي وابن لبان وابن عراق والطوسي وابن البغدادي وابن قرة وابن سينا والصوفي والقزويني وأبي عبد الله الخوارزمي صاحب مفتاح العلوم والعاملي وغيرهم.
أما الكلمة الثالثة فقد ألقاها الدكتور محمد أبلاغ من جامعة ابن طفيل بالقنيطرة – المغرب – حول: "البناء الثقافي للعلوم في مغرب القرنين 13 م و14 م : ابن البناء – ابن خلدون"، أشار فيه أولا إلى أن الوريث الشرعي للعلوم العربية الإسلامية هم الأوربيون، لنهم هم الذي اهتموا بهذه العلوم وطوروها في وقت سادت في العالم الإسلامي رؤية ترى بأن العلوم الدقيقة هي علوم واردة على الحضارة الإسلامية الأمر الذي كرس موقفا سلبيا تجاهها وحجب عن الأمة سبل الاستفادة منها . وإعادة الاعتبار للعلم العربي الكلاسيكي الذي نشا في الفترة الوسيطة فمن الضروري :
• تحقيق النصوص العلمية العربية.
• التعرف على مصادرهم في المعرفة.
• استكشاف موقع كل عالم عربي في تاريخ المعرفة.
أما في الغرب الإسلامي فبعد وفاة ابن رشد الذي اعتبر النظر في كتب القدماء واجبا شرعيا، ساعيا من وراء ذلك إلى جعل الفلسفة بشكل عام والعلوم بشكل خاص جزء لا يتجزأ من الفكر الإسلامي نفسه، لم يتوقف السعي نحو تبييء العلوم العقلية وذلك من خلال البحث لها عن سند يستند إلى المرجعية الدينية والثقافية العربية الإسلامية. حيث تم الاهتمام بالرياضيات على حساب المنطق مما مكن من التوسع في استعمال الرياضيات في مجالات متعددة لتشمل علوما عقلية ونقلية حيث أنجز في قرن واحد أكثر من عشرين شرحا لكتاب ابن البناء المراكشي.
وقد كان وراء هذا الاهتمام بالرياضيات الحاجة إليه في علم المواريث، إلى جانب وجوه أخرى من التطبيق العملي لهذا العلم في المجالات المدنية والشرعية للمدينة العربية الإسلامية.
وعليه فالناظر في القرنين 13 و 14 م سيظهر له انه لم يكونا فترة انحطاط كما السائد عن هذه الفترة بصفة عامة، حيث توجت الحركة العلمية فيهما بتأليف مقدمة ابن خلدون التي يمكن اعتبارها بمثابة تركيب نظر لهذا الفكر إذ أعطى نفس الأهمية لكل العلوم حتى تلك التي لم تحظ بالاهتمام اللائق من قبل التيار المشائي – الأرسطي. فكل العلوم على اختلافها وجدت لها مكانا في المقدمة.
0 تعليقات